مصر ليست فقيرة.. ولكنها تشبه الكنز الذى لا تمتد إليه الأيدى.. كنز يعرف الجميع عنوانه، دون أن يفكر أحدنا فى نفض الغبار عنه.. عاش النظام السابق عقوداً طويلة وهو يغرس فى أذهاننا أننا بلد فقير.. والفقر الذى كان يعنيه ليس فقراً فى الموارد الاقتصادية فحسب.. وإنما فى العقول والطاقات البشرية.. وللأسف فقد صدق كثيرون أن مصر نضبت، أو تم «إنضابها».. لا فرق.. المهم أننا وطن بلا مستقبل..!
والعالم الكبير الدكتور أحمد زويل أحد فصول هذه «الملهاة».. جاء الرجل فاتحاً ذراعيه لبلده فى عهد حكومة الدكتور كمال الجنزورى.. كان «زويل» يحلم بمدينة علمية تحلّق بمصر فى الأفق العالمى على اتساعه.. فى البدء خصصوا له 300 فدان فى مدينة 6 أكتوبر.. وكعادة النظام السابق، لم يتكلف الأمر أكثر من «شيكارتين» أسمنت و«فلاشات» التصوير لوضع حجر الأساس، ثم اندلعت الحرب ضد «زويل» ومشروعه، حتى لا يلتف المصريون حول رمز علمى وحضارى بقامته.. مات المشروع لأن «النظام الحاكم» ذاته كان فى «العناية المركزة»..!
لم يكن النظام بفساده، وضيق أفقه، يحلم لمصر بمستقبل أفضل.. غير أننا الآن لا نملك إلا الحلم.. وإذا كان مجلس الوزراء أقر، بالإجماع، منذ أيام، قانون إنشاء «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، فإن التأخر والتباطؤ فى هذا المشروع يعنى حرمان مصر من فرصة تاريخية للتقدم العلمى والاجتماعى، لا سيما أن د. أحمد زويل بدأ من حيث انتهى العالم بخطوات غير مسبوقة دولياً..!
يكفى أن نعرف أن مجلس أمناء المدينة يضم 12 شخصية، بينهم 6 من الحاصلين على جائزة نوبل فى الكيمياء والطب والفيزياء والاقتصاد، وهو ما لا يتوفر فى أى جامعة عالمية، فضلاً عن رئيسى أكبر جامعتين علميتين فى العالم «mit وcit»، ومعهم أيضاً الرئيس العام لجميع المؤسسات العلمية والبحثية فى الصين، بالإضافة إلى اثنين من رجال الأعمال البارزين من أصل مصرى..!
ولـ«المدينة العلمية» أيضاً مجلس أمناء تنفيذى، يضم عدداً من الشخصيات العلمية المصرية، من بينهم العالم والطبيب العالمى د. مجدى يعقوب، وسيكون لها بروتوكولات تعاون مع أبرز الجامعات والمؤسسات العلمية والتكنولوجية فى العالم، وقد بدأ «زويل» بصياغة بروتوكول تعاون مع مركز د. مجدى يعقوب للقلب فى أسوان فى مجال البحوث العلمية الدقيقة..!
شخصياً.. أحلم بأن يدرس أحد أبنائى أو أحفادى فى «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا».. فلن تتقدم مصر دون نهضة تعليمية حقيقية.. وربما تصبح هذه المدينة أساساً قوياً لتلك النهضة.. ولكنها تحتاج الآن إلى إرادة سياسية واعية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فغياب «الإرادة» كان المرض الأبرز للنظام السابق، ومن أبرز أعراض هذا المرض البطء فى اتخاذ القرارات، وإتاحة الفرصة للبيروقراطية القاسية لقتل فرص التقدم والتطور..!
مصر ليست فقيرة.. لا فى الموارد ولا فى العقول.. ولكن السياسة هى التى تجرّفها من كل شىء.. وفى كل الحالات ندفع نحن الثمن..!
بقلم مجدى الجلاد
منقول